فكرة مبسطة عن التسجيل العيني للعقار
Cadastral Registration of land
فكرة مبسطة عن التسجيل العيني للعقار
د. محمد حسين ابراهيم
يمكن تشبيه التسجيل العيني
ببطاقات السجل المدني للمواطنين. لكل
مواطن في وزارة الداخلية سجل مدني يظهر فيه رقم مميز يخصه هو فقط دون غيره، واسمه
الكامل وتاريخ ميلاده ومكان ميلاده ومكان اقامته وأسماء الأشخاص الذين يعولهم
وأسماء الأشخاص الذين يكفلهم وغير ذلك من المعلومات التي تحدث باستمرار، مثلا
عندما يتزوج او يرزق بطفل او ينهي إعالته لأحد أفراد عائلته عندما يتزوج ذلك
الفرد، أو يسافر احد مكفوليه او ينهي كفالته لاحد مكفوليه وهكذا. بهذه الطريقة
يكون لكل شخص ملف مميز، مهما تشابه اسمه مع أسماء أناس آخرين. تسمى هذه قاعدة معلومات .
الشركات لديها سجل لموظفيها، والمكتبات لديها
سجل للكتب الموجودة بها عبارة عن ملفات لكل كتاب. في ملف أي كتاب تجد عدة خانات
(تسمى أيضا حقول) منها رقم مميز لهذا الكتاب وعنوانه وموضوعه ومؤلَفه ومكان تواجده
في مبنى المكتبة (في أي دور، في أي رف)،
وسنة نشره، والمدينة التي نشر بها وعدد صفحاته وحجم صفحاته، واسم الشخص الذي
استعاره ومتى استعاره ومتى ينبغي اعادته، وهكذا. من اهم فوائد أي قاعدة معلومات
سهولة البحث. من الممكن ، في ثواني،
الحصول على قائمة بأسماء الكتب التي صدرت في
دمشق في الفترة بين 1990 و2000 عن
العمارة الأموية.
السجل العقاري هو أيضا قاعدة
معلومات. انه قاعدة معلومات لكل قطع الأراضي الموجودة في المدينة. لكل قطعة ارض
ملف خاص بها يحوي عدة حقول: رقم خاص بها يميزها عن غيرها، عنوانها (اسم الشارع
والحي والمدينة ورقمها في الشارع)، وإسماء ملاكها ومساحتها وأبعادها محددة بدقة
باستخدام الخرائط التي تنتج عن طريق التصوير الجوي او نظام جي بي اس وغيره. ويشمل ملف قطعة الأرض حدودها ( الشوارع او قطع
الأرض الأخرى التي تجاورها)، ومعلومات عن
المبنى او المباني المقامة عليها مثل استخدامات هذه المباني وعدد أدوارها
ومساحة الدور الأرضي كنسبة من مساحة قطعة الأرض نفسها.
يشمل الملف أيضا معلومات
قانونية عن ملاك قطعة الأرض هذه: كيف
انتقلت اليهم ملكيتها (مثلا بالشراء او الإرث او الهبة)، ومتى تم ذلك، وقيمة
الشراء، والحقوق الموجودة لدى الآخرين فيما يخص قطعة الأرض هذه (إذا كانت مرهونة
لجهة تمويل مثلا)، او ان للآخرين حق الانتفاع بهذه القطعة بطرق معينة، مثلا ان
يكون لشركة الكهرباء حق مد كيبل كهرباء تحت ارض الحديقة مثلا لإيصال الكهرباء الى
أراض أخرى.
التسجيل العيني هو عملية انتاج
السجل العقاري وهو يعتمد كما ذكرنا على مواصفات عين العقار، أي العقار نفسه وليس
مواصفات مالكه. لذلك يمكن التمييز بسهولة بين العقارات وصفاتها وخاصة حدودها وتقل
الدعاوي القضائية حول ملكية العقارات، لأن اسم الملاك موجود في ملف كل عقار، ويمكن
الرجوع اليه بسهولة من قبل الجميع. ويمكن البحث بسهولة في السجل العقاري عن
العقارات التي يملكها شخص معين، او عن مالك عقار معين، او عن العقارات المستخدمة
تجاريا، او عن الأراضي البيضاء او تلك المخدومة الصرف الصحي، او تلك التي تزيد او
تقل مساحتها عن رقم معين، وهكذا.
بالمقابل التسجيل الشخصي
للعقار، هو سجل للوثائق التي يملكها الناس
عن العقارات. وصف قطعة الأرض في هذه
الوثائق التي تسمى أيضا صكوك قد لا يكون دقيقا، وقد يكون هناك اكثر من صك لدى اكثر
من شخص لنفس القطعة، وقد يكون لشخص صك لا يمكن تحديد القطعة المذكورة فيه على
الواقع باستخدام الوصف الموجود بالصك. تسمى هذه بالصكوك الطيارة! إضافة الى
المشاكل القضائية بين المواطنين حول ملكية الأراضي، لا يمكن التعرف على ملاك
الأراضي بسهولة، لأن كل شخص يحتفظ بصكوكه لديه. ويصعب على المستثمرين او البلديات
التواصل مع ملاك الأراضي كما يسهل التلاعب بالصكوك بسبب عدم وجود مصدر معلومات
موثق عن كل قطعة أرض.
البلديات بحاجة الى معلومات
مرتبطة بخرائط عن استخدامات الأراضي ، وكثافة هذه الاستخدامات (كم شخص لكل100 متر
مربع من الأراضي السكنية مثلا)، والخدمات
الموصلة لهذه الأراضي (كهرباء، ماء، صرف صحي، خطوط تلفون) والمرافق التي تخدمها
(مدارس، مساجد، حدائق، متاجر، عيادات) كي يكمن توجيه الانفاق العام لسد حاجة
المواطنين. هذه المعلومات يسهل الحصول عليها عندما يكون هناك تسجيل عيني للعقارات
يتم تحديثه باستمرار وبصورة شبه تلقائية. مثلا عندما تسمح البلدية لشخص بفتح بقالة
في عقاره، يسجل ذلك في سجل العقار، وبالتالي تظل. المعلومات عن استخدامات الأراضي
محدثة.
السؤال الذي يطرح نفسه هو إذا
كانت فوائد التسجيل العيني تتفوق كثيرا عن التسجيل الشخصي، فلماذا لا يتم تطبيقه
فورا وفي كل انحاء العالم؟ الجواب بسيط:
ارتفاع التكاليف. أولا لابد لكل بلدية ان
تنتج خرائط دقيقة توضح فيها كل قطع الأراضي الموجودة ضمن حدود المدينة. وليس هذا
بالأمر السهل، بل يتطلب ميزانية كبيرة حيث ينبغي الاستعانة ببيوت خبرة متخصصة
تستخدم تقنيات عالية مثل الاستعانة بالأقمار الصناعية وأنظمة ال جبي بي اس والتصوير
الجوي وقواعد المعلومات الجغرافية.
بعد ذلك تبدأ عملية الاتصال بكل مالك كي يبرز
الوثائق التي تثبت ملكيته للقطعة حتى يتم تسجيله في ملف القطعة كمالك لها. ولابد من مطابقة أوصاف القطعة المذكورة في الصك
على ارض الواقع. عملية التأكد من الملكية قد تؤدي الى ظهور ادعاءات من اشخاص آخرين
حول ملكية هذه القطعة، ولا بد من اتاحة الفرصة لمن لديه دعوى ان يتقدم بها ، وأن
تكون هناك طرق قانونية واضحة للتعامل مع الدعاوي بحيث يمكن البت فيها ضمن فترة
زمنية معينة (ثلاثة اشهر مثلا). البت في هذه الدعاوي قد يتطلب انشاء محاكم خاصة
للدعاوي القضائية وتكون مزودة بعدد كاف من القضاة والإداريين.
تسمى هذه الخطوة بالتسجيل الأولي، وهي تتطلب
موارد بشرية كبيرة تتنوع من الإداريين إلى القضاة والمساحين وخبراء قواعد
المعلومات الرقمية والكتبة العاديين. اما بالنسبة للمرافق والمعدات فتشمل مكاتب
وكمبيوترات وسيارات وغيرها. أي انها تتطلب تخصيص ميزانية كبيرة لها.
التسجيلات اللاحقة تعنى تسجيل
التغييرات التي تحصل على المعلومات الموجودة في ملف أي قطعة بسبب بيع مالكها لها،
او تقسيمها، اوإقامة مبنى شقق عليها وتوزيع ملكية الأرض على مالكي الشقق، او رهن
الأرض لجهة معينة او بيع حق من حقوق الانتفاع لجهة أخرى، وغير ذلك. هذه عمليات
روتينية تحتاج لموارد بشرية ومرافق أيضا لكن اقل بكثير من عملية التسجيل المبدأي.
تمت تجربة التسجيل العيني في
المملكة في بلدة حريملا التابعة لمحافظة
الرياض وفي منطقتين في محافظة جدة.
مسئولية انتاج التسجيل العيني انيطت بجهتين هما وزارة العدل ووزارة الشئون
البلدية والقروية، ولم يتم تخصيص ميزانية كافية لها، لذك لم تتقدم كثيرا. الآن انيطت مسئولية انتاج التسجيل العين
بالهيئة العامة للعقار. عملية التسجيل
العينى لكل عقارات المملكة مهمة ضخمة جدا تحتاج الى تخصيص إدارة مستقلة قد تكون ضمن
الهيئة العامة للعقار، ولابد من توفير الموارد المالية والبشرية الكافية. يمكن
البدء بمنطقة معينة وما تم انجاز التسجيل العيني لهذه المنطقة فيمكن تعميم هذه
التجربة على بقية المناطق. ويمكن ان تكون العملية تدريجية، كعملية توفير النقل
الجماعي في المدن.